الثلاثاء، 16 سبتمبر 2014

55- الكرامات والولاية والإرشاد



الكرامات والولاية والإرشاد

هناك العديد من الأسئلة التى قد تطرح تحت عنوان الكرامات مثل: لماذا تظهر الكرامات على يد بعض الأولياء دون بعض، أو قد تظهر عليهم فى بدايتهم دون نهايتهم؟ وهل العلاقة بين الولاية والكرامة طردية؟ وما علاقة الكرامة بالترقى والتدلى ؟ وما علاقة الكرامة بالأخذ بالأسباب؟ وهل ظهور الكرامات على يد المرشد أفضل أم الأخذ بالأسباب؟ وهل يشترط أن يعرف الولى بكرامات نفسه، أم قد تقع دون علمه؟
إلى غير ذلك من أسئلة يجيب عنها الإمام الرباني قدس سره   1034 هـ) فى نص كاشف فيقول رحمه الله: ((اعلم أن الولاية عبارة عن الفناء والبقاء والخوارق من لوازمها، ولكن ما كل من كانت خوارقه أكثر تكون ولايته أتم وأكمل؛ بل تكون خوارقه أقل وولايته أتم وأكمل ومدار كثرة الخوارق على شيئين وهما: أن يكون الصعود في وقت العروج أكثر، والهبوط في وقت النزول أقل، بل الأصل العظيم في كثرة ظهور الخوارق هو قلة النزول كيفما كان العروج؛ لأن صاحب النزول ينزل إلى عالم الأسباب فيجد الأشياء مربوطة بها ويرى فعل المسبب من ورائها والذي لم ينزل أو نزل، ولكنه لم يصل إلى الأسباب فنظره مقصور على مسبب الأسباب، والأسباب قد ارتفعت عن نظره، والحق سبحانه يعامل كل أحد على حسب ظنه فيقضي أمر من يرى الأسباب بها ويقضي أمر من لا يرى الأسباب بدونها قال تعالى في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي».
ولطالما كان يخطر ببالي أنه ما السبب في كون الخوارق التي ظهرت على يد الشيخ عبد القادر رضى الله عنه لم تظهر على يد كثير من كمل الأولياء السابقين حتى أطلعني الله تعالى على سر ذلك وهو أنه كان عروجه أعلى من أكثر الأولياء وفي جانب النزول كان نزوله إلى مقام الروح الذي هو فوق عالم الأسباب ومما يناسب هذا المقام ما حكي أن الحسن البصري رضى الله عنه كان واقفًا على شاطئ النهر ينتظر السفينة، فجاء حبيب العجمي رضى الله عنه فوجده واقفًا، فقال له: ماذا تنظر؟ قال السفينة. فقال له: وأي حاجة إلى السفينة؟ أما لك يقين؟ فقال الحسن: أما لك علم؟ ثم مشى حبيب على الماء، وبقي الحسن حتى ركب في السفينة، فلما كان الحسن نازلًا إلى عالم الأسباب عاملوه بها وحبيب لم ينزل فعاملوه بدونها، والفضل للحسن فإنه صاحب علم جمع بين علم اليقين وعين اليقين وعرف الأشياء كما هي وفي نفس الأمر ، جعلت القدرة مستورة خلف الحكمة ، وحبيب العجمي صاحب سكر وله يقين بالفاعل الحقيقي من غير أن يرى للأسباب مدخلًا وهذه الرؤية غير مطابقة لما في الواقع، فإن توسط الأسباب كائن وحاصل.
وأما شأن التكميل والإرشاد فهو بعكس طريق ظهور الخوارق، فإن في مقام الإرشاد كلما كان نزوله أكثر كان في الإرشاد أكمل؛ لأنه لا بد من حصول المناسبة بين المرشد والمسترشد وذلك منوط بالنزول.
واعلم أنه كلما كان الصعود أعلى يكون الهبوط أنزل؛ فلهذا لما كان ترقى نبينا عليه الصلاة والسلام أعلى وأرقى من ترقي جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كان نزوله أقوى من الجميع فكانت دعوته أتم؛ ولذلك أرسل إلى كافة الأنام، فإنه بسبب نهاية النزول حصل المناسبة بالجميع فصار طريق الإفادة فيه أتم وربما تحصل الإفادة من المتوسطين في هذا الطريق أكثر من المنتهين الذين ما رجعوا؛ لأن مناسبة المتوسط للمبتدئ أكثر من ذاك فمدار كثرة الإفادة وقلتها على الهبوط والرجوع  لا على الانتهاء وعدمه.
وها هنا دقيقة: وهي كما أنه ليس من شرط الولاية علم الولي بنفس ولايته كما هو المشهور كذلك ليس من شرطها علمه بخوارقه فربما ينقل الناس عنه خوارق شتى وهو لا علم له بها وكان شيخنا قدس سره يقول: والعجب أن الناس يأتون إليَّ من الأكناف والأطراف فبعضهم يقول: رأيناك في مكة وبعضهم يقول رأيناك في بغداد فيظهرون الصحبة والمعرفة والحال أني ما خرجت من بيتي فما هذا الافتراء!)) [نقله عنه: مولانا محمد أمين الكردى، "المواهب السرمدية"، (ص 191- 194)].

ليست هناك تعليقات:

ابحث

Google